فصل: ومن باب إذا خاف الجنب البرد لم يغتسل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الجنب يتيمم:

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عَون ومسدد قالا: حَدَّثنا خالد الواسطي عن خالد الحذاء، عَن أبي قلابة عن عمرو بن بُجدان، عَن أبي ذر قال: «كانت تصيبني الجنابة فأمكث الخمس والست فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ثكلتك أمك ما أبا ذر إن الصعيد الطيب وضوءُ المسلم ولو إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسَّه جلدك».
قلت: يحتج من هذا الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: «الصعيد الطيب وضوء المسلم ولو إلى عشر» سنين من يرى أن للمتيمم أن يجمع بتيممه بين صلوات كثيرة وهو مذهب أصحاب أبي حنيفة ويحتجون أيضًا بقوله فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك في إيجاب انتقاض طهارة المتيمم بوجود الماء على عموم الأحوال سواء كان في صلاة أو غيرها.
ويحتج به من يرى إذا وجد من الماء ما لا يكفي لكمال الطهارة أن يستعمله في بعض أعضائه ويتيمم للباقي. وكذلك فيمن كان على بعض أعضائه جرح فإنه يغسل ما لا ضرر عليه في غسله ويتيمم للباقي منه. وهو قول الشافعي ويحتج به أصحابه أيضًا في أن لا يتيمم في مصر لصلاة فرض ولا جنازة ولا عيد لأنه واجد للماء فعليه أن يمسه جلده.
ومعنى قوله: «ولو إلى عشر سنين»، أي أن له أن يفعل التيمم مرة بعد أخرى وإن بلغت مدة عدم الماء واتصلت إلى عشر سنين وليس معناه أن التيمم دفعة واحدة يكفيه لعشر سنين.

.ومن باب إذا خاف الجنب البرد لم يغتسل:

قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص قال: «احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت إني سمعت الله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [النساء: 29] فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا».
قلت: فيه من الفقه أنه جعل عدم إمكان استعمال الماء كعدم عين الماء وجعله بمنزلة من خاف العطش ومعه ماء فأبقاه لشفته وتيمم خوف التلف.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فشدد فيه عطاء بن أبي رباح وقال يغتسل وإن مات واحتج بقوله: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} [المائدة: 6] وقال الحسن نحوا من قول عطاء. وقال مالك وسفيان يتيمم وهو بمنزلة المريض، وأجازه أبو حنيفة في الحضر، وقال صاحباه لا يجزيه في الحضر. وقال الشافعي إذا خاف على نفسه من شدة البرد تيمم وصلى وأعاد صلاة صلاها كذلك ورأى أنه من العذر النادر وإنما جاءت الرخص التامة في الأعذار العامة.
قال أبو داود: حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي حدثنا محمد بن سلمة عن الزبير بن خريق عن عطاء عن جابر قال: «خرجنا في سفر فأصاب رجلًا معنا حجر فشجه في رأسه فاحتلم، فقال لأصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم، فقالوا لا نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات. فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبرناه بذلك فقال قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب أو يُعصب شك موسى على جرحه خِرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده».
قلت: في هذا الحديث من العلم أنه عابهم بالفتوى بغير علم وألحق بهم الوعيد بأن دعا عليهم وجعلهم في الإثم قتلة له.
وفيه من الفقه أنه أمر بالجمع بين التيمم وغسل سائر بدنه بالماء ولم ير أحد الأمرين كافيا دون الآخر.
وقال أصحاب الرأي إن كان أقل أعضائه مجروحًا جمع بين الماء والتيمم، وإن كان الأكثر كفاه التيمم وحده وعلى قول الشافعي لا يجزيه في الصحيح من بدنه قل أو كثر إلاّ الغسل.

.ومن باب في المتيمم يجد الماء بعدما صلى في الوقت:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي حدثنا عبد الله بن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار، عَن أبي سعيد الخدري قال: «خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما وصليا، ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد الصلاة: أصبت السنة وأجزأتك صلاتك وقال للذي توضأ وأعاد لك الأجر مرتين».
قال أبو داود، ذكر أبي سعيد الخدري في هذا الحديث ليس بمحفوظ إنما هو عن عطاء بن يسار.
قلت: في هذا الحديث من الفقه أن السنة تعجيل الصلاة للمتيمم في أول وقتها كهو للمتطهر بالماء؛ وقد اختلف الناس في هذه المسألة فروي عن ابن عمر أنه قال: يتلوَّم ما بينه وبين آخر الوقت وبه قال عطاء وأبو حنيفة وسفيان. وهو قول أحمد بن حنبل وإلى نحو من ذلك ذهب مالك، إلاّ أنه قال إن كان في موضع لا يرى فيه وجود الماء يتيمم وصلى في أول وقت الصلاة.
وعن الزهري لا يتيمم حتى يخاف ذهاب الوقت واختلفوا في الرجل يتيمم فيصلي ثم يجد الماء قبل خروج الوقت، فقال عطاء وطاوس وابن سيرين ومكحول والزهري يعيد الصلاة، واستحبه الأوزاعي ولم يوجبه، وقالت طائفة لا إعادة عليه روي ذلك عن ابن عمر وبه قال الشعبي وهو مذهب مالك وسفيان وأصحاب الرأي والشافعي وأحمد وإسحاق.

.ومن باب في الغسل يوم الجمعة:

قال أبو داود: حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة حدثنا معاوية عن يحيى أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أخبره «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينا هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل فقال عمر أتحتبسون عن الصلاة فقال الرجل ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت فقال عمر رضي الله عنه والوضوء أيضًا أو لم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل».
فيه دلالة على أن غسل يوم الجمعة غير واجب ولو كان واجبا لأشبه أن يأمره عمر رضي الله عنه بأن ينصرف فيغتسل فدل سكوت عمر رضي الله عنه ومن معه من الصحابة على أن الأمر به على معنى الاستحباب دون الوجوب.
وقد ذكر في هذا الخبر من غير هذا الوجه أن الرجل الذي دخل المسجد هو عثمان بن عفان وفي رواية أخرى دخل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يجوز عليهما وعلى عمر ومن بحضرته من المهاجرين والأنصار أن يجتمعوا على ترك واجب.
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار، عَن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم».
قلت: قوله: «واجب» معناه وجوب الاختبار والاستحباب دون وجوب الفرض كما يقول الرجل لصاحبه حقك علي واجب وأنا أوجب حقك وليس ذلك بمعنى اللزوم الذي لا يسع غيره ويشهد لصحة هذا التأويل حديث عمر رضي الله عنه الذي تقدم ذكره.
وقد اختلف الناس في وجوب الغسل يوم الجمعة فكان الحسن يراه واجبًا وقد حكي ذلك عن مالك بن أنس، وقال ابن عباس هو غير محتوم.
وذهب عامة الفقهاء إلى أنه سنة وليس بفرض ولم تختلف الأمة في أن صلاته مجزية إذا لم يغتسل فلما لم يكن الغسل من شرط صحتها دل أنه استحباب كالاغتسال للعيد وللإحرام الذي يقع الاغتسال فيه متقدمًا لسببه ولو كان واجبًا لكان متأخرًا عن سببه كالاغتسال للجنابة والحيض والنفاس.
.قال أبو داود: حد، حَدَّثنا يزيد بن خالد بن موهب وعبد العزيز بن يحيى قالا: حَدَّثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إبراهيم، عَن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي أمامة بن سهل، عَن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس ثم صلى ما كتب الله له ثم أنصت إذا خرج إمامُه حتى يفرغ من صلاته كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها»، قال: ويقول أبو هريرة: «وزيادة ثلاثة أيام» ويقول: «إن الحسنة بعشر أمثالها».
قلت: وقرانه بين غسل الجمعة وبين لبس أحسن ثيابه ومسه للطيب يدل على أن الغسل مستحب كاللباس والطيب. وقوله: «كانت كفارة لما بينها وبين جمعته التي قبلها»، يريد بذلك ما بين الساعة التي تصلى فيها الجمعة إلى مثلها من الجمعة الأخرى لأنه لو كان المراد به ما بين الجمعتين على أن يكون الطرفان وهما يوما الجمعة غير داخلين في العدد لكان لا يحصل من عدد الحسوب له أكثر من ستة أيام.
ولو أراد ما بينهما على معنى إدخال الطرفين فيه بلغ العدد ثمانية فإذا ضمت إليها الثلاثة الأيام المزيدة التي ذكرها أبو هريرة صار جملتها إما أحد عشر يومًا على أحد الوجهين، وإما تسعة أيام على الوجه الآخر فدل أن المراد به ما قلنا على سبيل التكسير لليوم ليستقيم الأمر في تكميل عدد العشرة.
وقد اختلف الفقهاء فيمن أقر لرجل بما بين درهم إلى عشرة دراهم. فقال أبو حنيفة يلزمه تسعة دراهم وقال أبو يوسف ومحمد يلزمه عشرة دراهم ويدخل فيه الطرفان والواسطة، وقال أبو ثور لا يلزمه أكثر من ثمانية دراهم ويسقط الطرفان.
وهو قول زفر. وهذا أغلب وجوه ما يذهب إليه أصحاب الشافعي.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن حاتم الجراجرائي نا ابن المبارك عن الأوزاعي حدثني حسان بن عطية حدثنا الأشعث الصنعاني حدثنا أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها».
قوله: «غسل واغتسل وبكر وابتكر» اختلف الناس في معناهما فمنهم من ذهب إلى أنه من الكلام المظاهر الذي يراد به التوكيد ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين. وقال ألا تراه يقول في هذا الحديث: «ومشى ولم يركب» ومعناهما واحد، وإلى هذا ذهب الأثرم صاحب أحمد.
وقال بعضهم: قوله: «غسل» معناه غسل الرأس خاصة وذلك لأن العرب لهم لِمم وشعور، وفي غسلها مئونة فأفرد ذكر غسل الرأس من أجل ذلك.
وإلى هذا ذهب مكحول. وقوله: «واغتسل» معناه غسل سائر الجسد. وزعم بعضهم أن قوله غسل معناه أصاب أهله قبل خروجه إلى الجمعة ليكون أملك لنفسه وأحفظ في طريقه لبصره. قال: ومن هذا قول العرب فحل غُسَلة إذا كان كثير الضراب.
وقوله: «بكر وابتكر» زعم بعضهم أن معنى بكر أدرك باكورة الخطبة وهي أولها، ومعنى وابتكر قدم في الوقت. وقال ابن الأنباري معنى بكر تصدق قبل خروجه. وتأول في ذلك ما روي في الحديث من قوله: «باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها».
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سمي، عَن أبي صالح، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعه الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».
قوله: «راح إلى الجمعة» معناه قصدها وتوجه إليها مبكرا قبل الزوال وإنما تأولناه على هذا المعنى لأنه لا يجوز أن يبقى عليه بعد الزوال من وقت الجمعة خمس ساعات، وهذا جائز في الكلام أن يقال راح لكذا ولأن يفعل كذا بمعنى أنه قصد إيقاع فعله وقت الرواح كما يقال للقاصدين إلى الحج حجاج ولما يحجوا بعد، وللخارجين إلى الغزو غزاة ونحو ذلك من الكلام.
فأما حقيقة الرواح فإنما هي بعد الزوال يقال غدا الرجل في حاجته إذا خرج فيها صدر النهار وراح لها إذا كان ذلك في عجز النهار أو في الشطر الآخر منه. وأخبرني الحسن بن يحيى، عَن أبي بكر بن المنذر، قال كان مالك بن أنس يقول لا يكون الرواح إلاّ بعد الزوال، وهذه الأوقات كلها في ساعة واحدة.
قلت: كأنه قسم الساعة التي تحين فيها الرواح للجمعة أقسامًا خمسة فسماها ساعات على معنى التشبيه والتقريب كما يقول القائل قعدت ساعة وتحدثت ساعة ونحوه يريد جزءًا من الزمان غير معلوم، وهذا على سعة مجاز الكلام وعادة الناس في الاستعمال.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر حدثنا زكريا حدثنا مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب العنزي عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة ومن غسل الميت».
قلت: قد يجمع النظم قرائن الألفاظ والأسماء المختلفة الأحكام والمعاني ترتبها وتنزلها فأما الاغتسال من الجنابة فواجب بالاتفاق، وأما الاغتسال للجمعة فقد قام الدليل على أنه كان يفعله ويأمر به استحبابًا. ومعقول أن الاغتسال من الحجامة إنما هو لإماطة الأذى، ولما لا يؤمن أن يكون قد أصاب المحتجم رشاش من الدم فالاغتسال منه استظهار بالطهارة واستحباب للنظافة.
وأما الاغتسال من غسل الميت فقد اتفق أكثر العلماء على أنه على غير الوجوب.
وقد روي، عَن أبي هُرَيْرَة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غسل ميتًا فليغتسل».
وروي عن ابن المسيب والزهري معنى ذلك، وقال النخعي وأحمد وإسحاق يتوضأ غاسل الميت وروي عن ابن عمر وابن عباس أنهما قالا ليس على غاسل الميت غسل، وقال أحمد لا يثبت في الاغتسال من غسل الميت حديث.
وقال أبو داود حديث مصعب بن شيبة ضعيف ويشبه أن يكون من رأى الاغتسال منه إنما رأى ذلك لما لا يؤمن أن يصيب الغاسل من رشاش المغسول نضح وربما كانت على بدن الميت نجاسة فأما إذا علمت سلامته منها فلا يجب الاغتسال منه والله أعلم.